الشاعر والمفكر الكبير د. سمير العمري
ليس أبهى لباسا صنعه الإنسان في تاريخه الطويل من حلة فتل خيوطها مردن الحضارة وحبكت نسجها كف الثقافة وزين متنها خياط الإبداع. وإن البشرية ما كانت لتبلغ هذا الرقي الحضاري لولا وجود الحالة الإبداعية التي بنت معالمها ورفعت أركانها. ولئن كان للإبداع معارف ومصارف فإن مصرف الإبداع ومعرف الثقافة بجناحيها الفكر والأدب ظلت الشاهد الأرقى على الإنسانية وعلى الهوية الحضارية. وبهذا ظلت العناية بالإبداع لأهميته ورعاية المبدعين لندرتهم علامة فارقة في بناء الأمم والحضارات والرقي بالإنسان في كل مكان.
وعليه فإن الاتحاد العالمي للإبداع الفكري والأدبي هو حلم راود ويراود الكثير من الأحرار والشرفاء الراغبين ببناء ونماء والمتطلعين لحياة إنسانية تتجاوز الانشغال إلى الاشتغال والاعتداء إلى الاعتناء وحالة الصراع الحضاري إلى حالة من التواصل الإنساني وبناء جسور الثقة والتعاون المشترك.
وإن فكرة الاتحاد تنبثق من واقع الانعتاق من حالة الجمود والركود ومن ثم إعادة تأصيل المشهد الثقافي الإبداعي وتخليصه من التبعية والسطحية، وتقديم المبدعين الحقيقيين من علماء وأدباء ومفكرين لتشكيل جسد ثقافي راق وصادق في زمن اختلاط المصطلحات اضطراب المفاهيم وإهمال المبدعين لحساب المدعين؛ زمن تواضعت فيه الهمم وادعى فيه المدعون وكثر المتشدقون واحتدم التكالب على مقدرات الشعوب.
إن تداول إشكاليات الهوية والقدرة على تخطي كل حواجز الواقع وحدود السياسة والعنصرية نحو أفق إنساني رحب لهو الدور الريادي للمبدعين من أدباء ومفكرين من أجل صياغة وجدان الأمم جيلاً فجيلا في منهج متكامل لتأصيل الهوية فكراً وأدباً ومحاربة التبعية والتشتت وبناء جسور تواصل إنساني قائم على الاحترام والتفهم والتفاهم. هو دور حقيق بأن يتحرر من تهميشه وتسخيره، وجدير بأن يعود إلى مكانته من الأهمية والتأثير بما يخدم المصالح الإنسانية العليا خصوصا وأن الفراغ الذي تركه غياب الفكر والعلم والأدب عن المشهد الثقافي قد فرخ نماذج فاسدة ومفسدة من هذا الرهط الكثير ممن اعتلوا قمة الاهتمام وحازوا على واجهة الأحداث ليكونوا مرآةً لجيل طواه الجهل وأرهقه الكبت وأخره التصارع والإخلاد إلى أرض الأثرة والهوى.
هو اتحاد للإبداع وارتياد لسبل التواصل الإنساني ببناء جسور ثقة بين الحضارات واحترام خصوصية الذات وإعادة الإنسان إلى الإنسان؛ وسيلتنا الكلمة الصادقة الراقية وغايتنا نشر الحق والخير والجمال معتمدين صدق الرأي وعمق الرؤية، ومدركين أهمية تلازم الهم والهمة وآملين في أن يكثر السواد بكل حر كريم وكل شريف حصيف يقبل راغبا واثقا بشعارنا في هذا الاتحاد الكبير “معا نكون أقدر وأظهر”.
هو اتحاد نقدمه للأمة فسيلة خير قابلة للنماء ونقدمه للمبدعين وسيلة تواصل ووصول بلا أثرة بشهرة ولا سورة بشورة لا نهين ولا نستكين. وهذا نداء حر صادق نوجهه لكل مبدع حقيقي أن يكون كيانا فاعلا في هذا البعث الجليل وأن يسهم مع نخبة المبدعين في تشكيل الوعي الجمعي للأمة ، والمساهمة في حراك ناهض ينشر مبادئ الحق وقيم العدل ومناهج الخير والسلام.